العانس
بقلم: سهير عبد الرحمن تاريخ النشر : 2011-08-02
العانس :
تزينت في أبهى زينة : سواد هو مع بياض جسدها و غطاء رأسها الذي اشترته من أسبانيا خصيصا لحضور مناسبات العزاء .
في زمنها كانت المعلمات إذا تزوجن يفقدن وظيفتهن فرفضت في أول العمر
العرسان حتى لا تفقد تحررها .كانت من الأوائل اللاتي تعلمن في جامعة
القاهرة العريقة . دخنت السجائر و عزفت البيانو و نزلت في رأس البر بلباس
البحر أمام كل الجيران و الأصدقاء تعلن مولد حريتها كمصرية متحررة.
في عزاء أمي دخلت علينا كالعروس و لكن في كامل السواد.حذاء كعبه عالي جدا و
عطرها يفوح في أجواء أحزاننا. كانت أمي تحبها و تشفق على وحدتها و تنهانا
كلما نعتناها بالعانس. لم تحضر لتهنئة أي منا بالخطبة و الزواج و هاهي تدخل
منزلنا للمرة الأولى للعزاء.
لا أذكر متى دخلت شقتها التي تحتل دورا كاملا في البناية التي تقابل بناية
أهلي . أظن كان هناك قطعة من غسيلها وقعت في الشارع من على حبل الغسيل في
شرفتها فالتقطتها و ذهبت أدق على باب شقتها لأعطيها لها. سمعت ألف مزلاج
تفتحه ثم صوت ألف مفتاح لتفتح لي الباب . هذا بعد أن نظرت في العين السحرية
لتعرف من في الباب.
ناولتها قطعة الملابس و عيناي تتجولان في الردهة التي هي بطول الشارع. في
ركن هناك وقعت عيني على البيانو فتسمرت قدماي على عتبة الباب.
لم أدر أنها قفلت الباب في وجهي إلا عندما فتحت عيني على صوت صديقتي الصغيرة التي تسكن في الطابق العلوي :
( ماذا تفعلين عند الأبلة ؟ جاية تاخدى درس بيانو ؟)
عندما اقتربت مني في العزاء و مدت يدها و كأنها الملكة نازلى لتعزيني وقفت
لها إجلالا لأمي التي كانت تحبها و تعطف على وحدتها و حياتها التي مرت
بدون زوج و أطفال . لا أعرف لماذا فجأة تجرأت و قبلتها ثم سالت دموعي.:
فجأة وجدتها تحضنني و تقول لي : ( البركة فيك يا بنتي ).
أمس جائني خبر رحيلها وحيدة و لأني على بعد أوطان منها جلست أدعو لها بالمغفرة...و أبكي على...أمي!