لبنانيات يصارعن تسونامي الحسد
[color=#ff0000][b]الدين يعترف به وعلم النفس يعالج وساوسه[/b][/color][b][color=#0000ff]
لبنانيات يصارعن تسونامي الحسد[/color][/b]
[b][color=#ff0000]حنان سحمراني من بيروت:[/color][/b]
على الرغم من أن عدداً كبيراً من النساء اللبنانيات يعتقد أن الحسد من
الأمراض النفسية الخطيرة التي يصعب علاجها ويرد الأمر إلى العلم بصورة
أساسية فهنالك عدد أكبر منهن يعيش حالة الخوف منه فيقعن ضمن دائرة من
الهواجس التي تتوقف عليها حياتهن في معظم الاحيان لمجرد نظرة عابرة من جار (
عين ) أو من صديق أو حتى من أقرب المقربين إليهن، لتخترق مناعتهن الحامية
التي تكون عبارة عن سياج محصن من التعويذات والبخور والخرزة الزرقاء وغيرها
من العادات كالدق على الخشب وكسر البيضة وسكب الرصاصة ورش الملح على عتبة
الدار، أو قطع طرف الثوب من الحاسد وتبخير المحسود به، إلى ما هناك من
تقاليد وأعراف غريبة مكتسبة من الأسلاف لدفع شر العين الحاسدة.
[img]
http://www.elaph.com/elaphweb/Resources/images/Reports/2009/5/%D8%AD%D8%B3%D8%AF11.jpg[/img] إذاً
فالحسد بنظر معظم النساء اللبنانيات وصمة عار لفاعله يعرفها ويلمسها الناس
وتشاهد نتائجه بشكل واضح ومكشوف لهم. وفي هذا السياق إستطلعت إيلاف آراء
عدد من النساء اللبنانيات اللواتي يعبرن عن رأيهن بالحسد والخوف من الوقوع
فيه والذي دائماً ما يترك تأثيره السلبي عليهن وصولا لدرجة المرض النفسي.
[b][color=#0000ff]طفل جميل في عين حاسدة[/color][/b]
سحر (ربة بيت) تنظر إلينا بريبة حين
استوقفناها في أحد الاسواق الشعبية لمنطقة البربير في بيروت، تخبئ طفليها
بجسدها عن الأنظار لكن عند معرفة مقصدنا من سؤالنا لها تبتعد بجسدها
قليلاً، لنكتشف أن سبب تصرفها هذا خوفها الشديد على طفليها من العين
الحاسدة التي تتربص بهما "لأنهما يتمتعان بالشعر الاشقر والعيون الخضراء"
وتضيف أنها تحرص عليهما كثيراً وتحميهما بوضع خرزة زرقاء في رقبة كل واحد
منهما. فهي تعتقد أن الطفل الجميل "عرضة للحسد دائماً"، لذلك هي تؤمن بشدة
بوجود الحسد اولاً لأنه مذكور في القرآن الكريم وثانياً لأن تأثيره ملموس
لديها ؛ "دائما أقرأ المعوذتين وبعض الآيات من القرآن الكريم عند تعرض
أطفالي للعين الحاسدة" تقول سحر.
[b][color=#0000ff]التحدث عن الحياة الشخصية[/color][/b]
سميرة (موظفة) تطل علينا من وراء مكتبها
ونظرة تأمل تملأ عينيها لتقول إن "المرأة أكثر حسداً من الرجل لأنها
بطبيعتها التكوينية تدقق في أصغر التفاصيل للمرأة الأخرى بعكس الرجل الذي
لا يهمه التفاصيل كثيراً". هي تعتقد أن المرأة تعرض نفسها للحسد من خلال
التحدث عن تفاصيل حياتها الشخصية أمام صديقاتها وخاصة إذا كانت حياتها أكثر
رفاهية منهن "لأن المرأة الحاسدة تتمنى لنفسها ما تملكه غيرها من النساء".
وهذا ما يدفعها إلى الحرص على عدم التكلم عن حياتها الشخصية حتى لا تتعرض
للعين الحاسدة؛ "بعد تجربتي مع المصائب التي حلت بي من العيون وإنعكاس
نتائجها السلبية علي حرمت التكلم عن نفسي أما الغرباء وحتى أمام أقرب
صديقاتي" تقول سميرة.
[b][color=#0000ff] تبدو كأخت لأولادها[/color][/b]
[img]
http://www.elaph.com/elaphweb/Resources/images/Reports/2009/5/%D8%AD%D8%B3%D8%AF2.jpg[/img]تعتبر عايدة التي نلتقيها في أحد المراكز التجارية الكبرى في بيروت أن المرأة
التي تتزوج في سن مبكرة محسودة أكثر من النساء الأخريات، لأن أولادها حين
يصبحون في سن الشباب تكون في مقتبل العمر أيضا "مما يجعلها تبدو كأخت لهم
لا كأم". وتضيف عايدة بإنزعاج وهي تعرّفني على أسماء وأعمار أطفالها-
الشباب وهم يدققون بي بأنظارهم، أنها كثيراً ماتتعرض للعين الحاسدة عند
خروجها من بيتها مع أولادها الذين يتجاوز طولهم طولها لترجع إلى بيتها كل
مرة وفي رأسها صداع "لا يزول إلا بقراءة الرقوة" عليها من جارة لها، وهي
حاجة كبيرة في السن تحفظ كل الرقوات التي تشفي (بإعتقادها) الناس من الحسد؛
"أصبحت أزيد من عمري أمام الغرباء لتفادي عيون الحُسّاد" تقول عايدة.
[b][color=#0000ff]الخوف من الحسد يعمي البصيرة[/color][/b]
تحدثنا جميلة (تملك مكتبة خاصة) واضعة
مجلتها التي كانت مستمتعة بقراءتها جانباً؛ "المرأة المحسودة تعيش حياة
مهددة بالوقوع بالمصائب، والخوف من الحسد يجعلها لا تميز بين من يبدي
إعجابه بها ومن يبغضها لأنه يعمي بصيرتها". تضيف جميلة بإبتسامة متفائلة
أنها من النساء اللواتي لا يبالين بتلك الأمور وأن الإنسان عليه الإتكال
على الله في كل شيء "فالحياة ساعة لك وساعة عليك". فلا لوم على الحسد
برأيها و"الخوف من الحسد هاجس كبير للمرأة التي تعيشه ومَحرقة مدمرة تحرقها
وتدمر من حولها" تقول جميلة.
[b][color=#0000ff]زوجتي والوسواس القاتل[/color][/b]
[img]
http://www.elaph.com/elaphweb/Resources/images/Reports/2009/5/%D8%AD%D8%B3%D8%AF.jpg[/img] وهنا
حالفنا الحظ بأخذ رأي أحد الرجال بعد أن لفتت نظرنا الخرزة الزرقاء
المبالغ بحجمها المعلقة في إحدى سيارات الأجرة مع العلم أن السيارة أكل
الدهر عليها وشرب، وعند سؤالنا له عن سبب وضعها أخبرنا سامي بإنهزام عن
معاناته مع وسواس زوجته القاتل من الحسد. فزوجته لا تقدم على أمر إلا وتعمد
إلى تبخير البيت (إشعال البخور) والأولاد وتضع على الباب خرزة زرقاء وترش
ملحا كل ليلة خميس. يسرّ لنا سامي أنّ لدى زوجته عادات "لا يقوم بها إلا
المشعوذون"، مما يجعله يفقد اعصابه منها ويوبخها لكنها تكمل طقوسها التي
توارثتها عن جدتها وجدة جدتها بعناد؛ "إذا وقع حادث بسيط داخل البيت تضع
زوجتي اللوم على العيون الحاسدة وكل مرة تجد حجة ما فهي ترد الأمر إلى عيون
الناس التي تلاحقها وتحسدها حتى داخل بيتها" يهزأ سامي.
[color=#0000ff][b] الخوف من الحسد وهم نسائي [/b][/color]
وكذلك ديما (طالبة حقوق سنة ثالثة في
الجامعة اللبنانية) التي تحدثنا معها في أحد صالونات التجميل في منطقة
المزرعة في بيروت وكانت بإنتظار دورها لتصفيف شعرها. تشير إلى أن خوف
النساء من الحسد وهم إخترعته النساء ذوات العقل المحدود حتى يبعدن عنهن
الفشل الذي يتعرضن له، ويتخيلن أن أقرب الناس إليهن يحسدنهن. تتحدث ديما
بغضب عن فتاة كانت من أعز صديقاتها تخاف من عيون الناس إلى حد الوسوسة، حتى
وصل الأمر للظن بها أنها تحسدها وأصبحت ديما تتجنبها وتخفف من زياراتها
لها حتى لا يقع نظرها بالخطأ على أي شيء تملكه صديقتها وتعتقد أن ديما
تحسدها عليه؛ "هذا النوع من النساء مزعج جداً يربك من حوله والأفضل تجنبهن
دائما" تقول ديما.
[b][color=#0000ff]نظرة دينية[/color][/b]
إيلاف إلتقت الشيخ "ياسر عودة" وهو أحد
أعوان المرجع الديني الشيعي السيد محمد حسين فضل الله في مكتب الإستفتاء
التابع له. يعرّف لنا "عودة" الحسد من وجهة نظر الدين أنه "موجود ولا يمكن
إلغاؤه لأنه مذكور في القرآن الكريم والسيرة النبوية الشريفة وهو من الصفات
السلبية في النفس والله سبحانه وتعالى حذر منه في سورة الفلق.
ويضيف عودة أن الرسول قال في الحسد: "إن
المؤمن يغبط والمنافق يحسد". وكذلك قال الإمام علي بن أبي طالب في الحسد:
"الحسد عيب فاضح، وشجى فادح، لا يشفي صاحبه إلا بلوغ أمله في من حسده".
[img]
http://www.elaph.com/elaphweb/Resources/images/Reports/2009/5/%D8%AD%D8%B3%D8%AF1.gif[/img]يعتبر "عودة" أن "الصفات السلبية عبارة عن شعور باطني داخل الإنسان تتمنى زوال
أي نعمة مالية أو جمالية أو قوة بدنية من الطرف الآخر، أما تأثيره على بعض
النساء ربما يكون أعلى درجة بسبب الفراغ الذي تشعر به المرأة والذي تستغله
في التمني لنفسها ما عند غيرها من النساء الأخريات". لكن هذا لا يعني أن
الحسد "محصور بالمرأة فقط لأن الخطاب الإلهي حين أُنزل وجه للذكر والأنثى
على حد سواء". يضيف "عودة".
ويفسر "أن الحسد يؤدي بصاحبه إلى فعل أمور
كثير سلبية تضر به" وقد قال الإمام علي بن أبي طالب في ذلك: "الحاسد مضر
بنفسه قبل إن يضر بالمحسود كإبليس أورث بحسده لنفسه اللعنة ولآدم
الإجتباء". والله سبحانه وتعالى أراد للحسود بالدرجة الأولى أن يعالج نفسه،
وتتم المعالجة بزيادة الإيمان بالله وإبعاد وسوسة الشيطان والإقتناع بما
قسمه الله له من رزق.
يضيف عودة أن "أكثر ما ثبت عندنا في رفع
الحسد: قراءة الفاتحة، فمن لم تشفه الفاتحة لا يشفه أي شيء". وكذلك ينصح
عودة "بالإكثار من ذكر الله والصدقة".
أما بالنسبة للتعاويذ لرفع الحسد فيعلن أن
ذلك لم يثبت في الدين "فكلها أعراف وتقاليد قديمة وربما يستعملها الناس من
باب حسن ظنهم بالله لإستجابة طلبهم بالشفاء من البلاء" وفي هذا المقام يذكر
حديثا ورد عن عبد الله بن مسعود أنه كان يسمع رسول الله يعوذ الحسن
والحسين فيقول: أعيذكما بكلمات الله التامة.
[color=#0000ff][b]نظرة علم النفس[/b][/color]
يفسر لنا الأخصائي توفيق سلوم (أخصائي في
علم النفس العيادي) وممارس في البرمجة اللغوية والعصبية NLp، نظرة علم
النفس إلى الحسد والخوف منه أن "علم النفس لا ينظر من ناحية المحسود بل من
ناحية الحاسد فهو لا يدرس التواصل غير المرئي، ويطلق على هذه الحالة
الوسواس القهري فهذا الشخص تُزرع فكرة في رأسه وتنمو مع مرور الوقت وعلى
أساسها تنطلق تصرفاته" يقول سلوم.
ويضيف أن علم النفس يتعاطى مع المعتقد
بأنه محسود بأن لديه حالة نفسية أقرب إلى مرض العظام لكن لا تصل إلى حد
الهذيان "فهو يتصور نفسه مستهدفا فيتم التعامل معه على أساس مرض الوسواس".
أما إذا كان لدى الشخص إعتقاد قوي بهذه الطقوس فيتم البحث عن مصدر الفكرة
وآثارها عليه؛ "فمرة تكون ثقافية أو ذات خلفية دينية أو خلفية ثقافية
إجتماعية كذلك".
ويفسر سلوم كيف يعمل علم النفس على إعادة
تصحيح هذه الفكرة أولاً بالبحث عن جذورها وإبطال مفعولها وثانياً عبر
معالجة آثارها خطوة خطوة. وإبطال فكرة الحسد عادةً – يقول سلوم- يأخذ مرحلة
كبيرة وطويلة وإذا ما تم إبطالها تُبطل من الظاهر وتبقى رواسب لها؛ "لأن
هذه الطقوس تُزرع منذ الطفولة في الفكر البشري لتصبح منظومة ذهنية، تؤثر
على حياته وتصرفاته وتدخله في حالة نفسية يصعب علاجها" يختم سلوم حديثه.